فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثمـان وثلاثيـن وستمائـة

فـي هـذه السنة قبض الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل بعـد استقـراره في ملك مصر على أيبك الأسمر مقدم المماليك الأشرفية وعلى غيره من الأمراء والمماليك الذين قبضوا على أخيه وأودعهم الحبـوس وأخـذ فـي إنشـاء مماليكـه وشـرع الملـك الصالح أيوب المذكور من هذه السنة في بناء قلعة الجزيرة واتخذها مسكناً لنفسه‏.‏

وفيها نزل الملك الحافظ أرسلان شاه ابن الملك العادل أبي بكر بـن أيـوب عـن قلعـة جعبـر وبالس وسلمهما إلى أخته ضيفة خاتون صاحبة حلب وتسلم عوض ذلك إعزاز وبلاداً معها تساوي ما نزل عنه وكان سبب ذلك أن الملك الحافظ المذكور أصابه فالج وخشي من أولاده وتغلبهم عليه ففعل ذلك لأنه كان ببلاد قريبة إلى حلب لا يمكنهم التعرض إليه‏.‏

وفـي هـذه السنـة كثـر عبـث الخوارزميـة وفسادهـم بعـد مفارقـة الملـك الصالـح أيـوب البلـاد الشرقية وساروا إلى قرب حلب فخرج إليهم عسكر حلب مع الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين ووقع بينهم القتال فانهزم الحلبيون هزيمة قبيحة وقتل منهم خلق كثير منهم الملك الصالح ابن الملك الأفضل ابن السلطان صلاح الدين وأسر مقدم الجيش الملك المعظم المذكور واستولـى الخوارزميـون علـى ثقـال الحلبييـن وأسـروا منهـم عـدة كثيـرة ثـم كانوا يقتلون بعضهم ليشتري غيـره نفسـه منهـم بماله فأخذوا بذلك شيئاً كثيراً ثم نزل الخوارزمية بعد ذلك على جبلان وكثر عبثهم وفسادهم ونهبهم فـي بلـاد حلـب وجفـل أهـل الحواضـر والبلـاد ودخلـوا مدينـة حلـب واستعد أهلها للحصار وارتكب الخوارزمية من الزنا والفواحش والقتل ما ارتكبه التتـر ثـم سـارت الخوارزميـة إلـى منبـج وهجموهـا بالسيـف يوم الخميس لتسع بقين من ربيع الأول من هذه السنة وفعلوا من القتل والنهب مثلما تقدم ذكره ثم رجعوا إلى بلادهم وهي حران وما معها بعد أن أخربوا بلد حلب‏.‏

ذكر عود الخوارزمية إلى بلد حلب وغيرها ثم إن الخوارزمية رحلوا من حران وقطعوا الفرات من الرقة ووصلوا إلى الجبول ثم إلى تل إعـزاز ثم إلى سرمين ثم إلى تل المعرة وهم ينهبون ما يجدونه فإن الناس جفلوا من بين أيديهم وكان قد وصل الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه صاحب حمص ومعه عسكر من عسكر الصالح إسماعيل المستولي على دمشق نجدة للحلبييـن فاجتمـع الحلبيـون مـع صاحـب حمـص المذكور وقصدوا الخوارزمية واستمرت الخوارزمية على ما هم عليه من النهب حتى نزلـوا على شيزر ونزل عسكر حلب على تل السلطان ثم رحلت الخوارزمية إلى جهة حماة ولم يتعرضوا إلى نهب لانتماء صاحبها الملك المظفر إلى الملك الصالح أيوب ثم سارت الخوارزمية إلى سلمية ثم إلى الرصافة طالبين الرقة وسار عسكر حلب من تل السلطان إليهم ولحقتهم العرب فأرمت الخوارزمية ما كان معهم من المكاسب وسيبوا الأسرى ووصلت الخوارزمية إلى الفرات في أواخـر شعبـان فـي هـذه السنـة‏.‏

ولحقهـم عسكـر حلـب وصاحـب حمـص إبراهيـم قاطـع صفين فعمـل لهـم الخوارزميـة ستائـر ووقـع القتـال بينهـم فـي الليـل فقطـع الخوارزميـة الفـرات وساروا إلى حران فسار عسكر حلب إلى البيرة وقطعوا الفرات منها وقصدوا الخوارزمية واتقعوا قريب الرهـا لتسـع بقيـن مـن رمضـان هـذه السنـة فولـى الخوارزميـة منهزميـن وركـب صاحـب حمـص وعسكـر حلـب أقفيتهـم يقتلون ويأسرون إلى أن حال الليل بينهم ثم سار عسكر حلب إلى حران فاستولوا عليها وهربت الخوارزميـة إلـى بلـد عانـة وبـادر بـدر الديـن لؤلـؤ صاحب الموصل إلى نصيبين ودارا وكانتا للخوارزمية فاستولى عليهما وخلص من كان بهما من الأسرى وكان منهم الملك المعظم توران شاه ابن السلطان صلاح الدين أسيراً في بلدة دارا مـن حيـن سـوه فـي كسـرة الحلبييـن فحملـه بـدر الديـن لؤلـؤ إلـى الموصـل وقـدم لـه ثياباً وتحفاً وبعث به إلى عسكر حلب واستولى عسكر حلب على الرقة والرها وسروج ورأس عين وما مع ذلك واستولـى صاحـب حمـص المنصـور إبراهيـم علـى بلد الخابور ثم سار عسكر حلب ووصل إليهم نجدة من الروم وحاصروا الملك المعظم ابن الملك الصالح أيوب بآمد وتسلموها منه وتركوا له حصـن كيفـا وقلعـة الهيثـم ولـم يـزل ذلـك بيـده حتـى توفـي أبوه الملك الصالح أيوب بمصر وسار إليها المعظم المذكور على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وبقي ولد المعظم وهو للملك الموحد عبد اللـه ابـن المعظـم تـوران شـاه ابـن الصالـح أيـوب ابـن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب مالكاً لحصن كيفا إلى أيام التتر وطالت مدته بها‏.‏

ذكر ما كان من الملك الجواد يونس فـي هـذه السنـة كـان هلاك الملك الجواد يونس بن مودود ابن الملك العادل وصورة ما جرى له أنه كان قد استولى بعد ملك دمشق على سنجار وعانة فباع عانة من الخليفة المستنصر بمال تسلمـه منه وسار لؤلؤ صاحب الموصل وحاصر سنجار ويونس المذكور غائب عنها واستولـى عليهـا ولـم يبـق بيـد يونـس مـن البلاد شيء فصار على البرية إلى غزة وأرسل إلى الملك الصالـح أيـوب صاحـب مصـر يسألـه فـي المسير إليه فلم يجبه إلى ذلك فسار يونس حينئذ ودخل إلى عكا وأقام مع الفرنج فأرسل الصالح إسماعيل صاحب دمشق حينئذ وبذل مالاً للفرنج وتسلم الملك لجواد يونس المذكور من الفرنج واعتقله ثم خنقه‏.‏

وفي هذه السنة ولى الملك الصالح أيوب الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام القضاء بمصـر والوجـه القبلـي وكـان عـز الديـن المذكـور بدمشـق فلمـا قـوي خـوف الصالح إسماعيل صاحـب دمشـق مـن ابـن أخيـه الصالـح أيـوب صاحـب مصـر سلـم الصالـح إسماعيـل صفد والشقيف إلى الفرنج ليعضدوه ويكونوا معه على ابن أخيه الصالـح أيـوب فعظـم ذلـك علـى المسلمين وأكثر الشيخ عز الدين بن عبد السلام التشنيع على الصالح إسماعيل بسبب ذلك وكذلك جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب ثم خافا من الصالح إسماعيل فسار عز الدين بن عبد السلام إلى مصر وتولى بها القضاء كرهاً وسار جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب إلى الكرك وأقام عند الملك الناصر داود صاحب الكرك ونظم له مقدمته الكافية في النحو ثم بعد ذلك سافر ابن الحاجب إلى الديار المصرية‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وستمائة

والصالح إسماعيل صاحب دمشق والمنصور إبراهيم بن شيركوه صاحب حمـص وصاحـب حلـب متفقـون علـى عـداوة الملـك الصالـح أيـوب صاحـب مصر ولم يوافقهم صاحب حماة على ذلك وأخلص في الانتماء إلى صاحب مصر‏.‏

وفيهـا فـي شعبـان أصـاب جـد الملـك المظفـر صاحـب حمـاة الفالـج وهـو جالـس بيـن أصحابـه فـي قلعة حماة وبقي أياماً لا يتكلم ولا يتحرك وكان ذلك في أواخر فصل الشتاء وأرجف الناس بموته وقام بتدبير المملكة مملوكه وأستاذ داره سيف الدين طغريل ثم خف مرض الملك المظفر وفتح عينيه وصار يتكلم باللفظة واللفظتين لا يكاد يفهم وكان العاطب الجانب الأيمـن منـه وبعـث إليه الصالح صاحب مصر طبيباً حاذقاً نصرانياً يقال له النفيس بن طليـب فلـم تنجـع فيـه المداواة واستمر على ذلك إلى أن توفي بعد سنتين وكسر على ما سنذكر إن شاء الله تعالى‏.‏

وفـي هـذه السنـة في ذي الحجة توفي الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه ابن الملك العادل بن أيـوب بإعـزاز وهـي التـي تعوضهـا عـن قلعـة جعبـر ونقـل إلـى حلـب فدفن في الفردوس وتسلم نواب الملك الناصر يوسف صاحب حلب قلعة إعزاز وأعمالها‏.‏

وفيهـا فـي شعبان توفي الشيخ العلامة كمال الدين موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الفقيه الشافعي كان إمام وقته في مذهب الشافعي وغيره وكان يشتغل الحنفيون عليه في مذهـب أبـي حنيفـة ويحـل الجامـع الكبيـر فـي مذهـب أبـي حنيفة وكان متقنا علم المنطق والطبيعي والإلهي وكان إماماً مبرزاً في العلم الرياضي وأتقن المجسطي وأقليدس والموسيقى والحساب بأنواعه وكان أهل الذمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل وشرح لهم هذه الكتابين شرحاً يعترفون أنهم لا يجدون من يوضح لهم مثله وكان إماماً في العربية والتصريف وكان يقرئ كتاب سيبويه والمفصل وغيرهما وكذلك كان إماماً في التفسير والحديث وقـدم الشيـخ أثيـر الديـن الأبهـري واسمه المفضل بن عمر بن المفضل إلى الموصل واشتغل على الشيخ كمال الدين المذكور وكان الشيـخ أثيـر الدين الأبهري المذكور حينئذ إماماً مبرزاً في العلوم ومع ذلك يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه ويقرأ عليه‏.‏

قـال القاضـي شمـس الديـن بـن خلكـان‏:‏ ولقـد شاهـدت بعينـي أثيـر الدين الأبهري وهو يقرأ المجسطي علـى الشيـخ كمال الدين بن يونس المذكور واستمر سنين عديدة يشتغل عليه وكان الأثير إذ ذاك صاحب تصانيف يشتغل فيها الناس وقصد تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح الفقيه الشافعي الشيخ كمال الدين المذكور وسأله في أن يقرئه المنطق سراً وتردد ابن الصلاح إلى الشيخ كمال الدين مدة يقرأ عليه المنطق ولا يفهمه فقال له ابن يونس المذكور‏:‏ يا فقيه المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن‏.‏

فقال له ابن الصلاح‏:‏ ولم ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ لأن الناس يعتقدون فيك الخير وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد فكأنك تفسـد عقائدهـم فيـك ولا يصـح لـك مـن هـذا الفـن شـيء فقبـل ابـن الصلـاح إشارتـه وتـرك قراءته وكان الشيخ كمال الدين بن يونس المذكور يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه أجدك إن قد جاد بعد التعبس غزال بوصل لي وأصبح مؤنسي وعاطيته صهباء من فيه مزجها كرقة شعري أو كدين ابن يونس وكانـت ولادتـه فـي صفـر سنـة إحـدى وخمسيـن وخمسمائة بالموصل وبها توفي في التاريخ المذكور رحمه الله تعالى‏.‏

  ثم دخلت سنة أربعين وستمائة

وفي هذه السنة كان بين الخوارزمية ومعهـم الملـك المظفـر غـازي صاحـب ميافارقيـن وبيـن عسكر حلب ومعهم المنصور إبراهيم صاحب حمص مصاف قريب الخابور عند المجدل في يـوم الخميـس لثلـاث بقيـن من صفر هذه السنة فولى ظفر غازي والخوارزمية منهزمين أقبح هزيمة ونهب منهم عسكر حلب شيئاً كثيراً ونهبت وطاقات الخوارزمية ونساؤهم أيضاً ونزل الملك المنصور إبراهيم في خيمة الملك المظفر غازي واحتوى على خزانته ووطاقه ووصل عسكر حلب وصاحب حمص إلى حلب في مستهل جمادى الأولى مؤيدين منصورين‏.‏

ذكر وفاة الملكة ضيفة خاتون صاحبة حلب وهي والدة الملك العزيز‏:‏ وفـي هـذه السنـة فـي ليلـة الجمعـة لإحـدى عشـرة ليلـة خلـت مـن جمـادى الأولـى توفيت ضيفة خاتون بنـت الملـك خاتون بنت الملك العادل أبي بكر أيوب وكان مرضها قرحة في مراق البطن وحمى ودفنت بقلعة حلب وكان مولدها سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب حين كانت حلب لأبيها الملك العادل قبل أن ينتزعها منه أخوه السلطان صلاح الدين ويعطيها ابنه الظاهر غازي فاتفق مولدها ووفاتهـا بقلعـة حلـب ولمـا ولـدت كـان عنـد أبيهـا الملـك العـادل ضيف فسماها ضيفة فكانت مدة عمرها نحو تسع وخمسين سنة‏.‏

وكان الملك الظاهر صاحب حلب قد تزوج قبل ضيفة خاتون بأختها غازية وتوفيت فلما توفيت غازية تزوج بأختها ضيفة خاتون المذكورة وكانت ضيفة خاتون قد ملكت حلب بعد وفـاة ابنها الملك العزيز وتصرفت في الملك تصرف السلاطين وقامت بالملك أحسن قيام وكانت مـدة ملكهـا نحـو سـت سنيـن ولمـا توفيت كان عمر ابن ابنها الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز نحو ثلاث عشرة سنة فأشهد عليه أنه بلغ وحكم واستقل بمملكة حلب وما هو مضاف إليها والمرجع في الأمور إلى جمال الدين إقبال الأسود الخصي الخاتوني‏.‏

  ذكر وفاة المستنصر بالله

وفي هذه السنة توفي المستنصر بالله أبو جعفر المنصور ابن الظاهر محمد ابن الإمام الناصر أحمد بكرة الجمعة لعشر خلون من جمادى الآخرة وكانت مدة خلافته سبع عشرة سنـة إلا شهـراً وكان حسن السيرة عادلاً في الرعية وهو الذي بنى المدرسة ببغداد المسماة بالمستنصرية على شط دجلة من الجانب الشرقي مما يلي دار الخلافة وجعل لها أوقافاً جليلة على أنواع البر‏.‏

المستعصم بالله ولما مات المستنصـر اتفقـت آراء أربـاب الدولـة مثـل الـدوادار والشرابـي علـى تقليـد الخلافـة ولـده عبـد اللـه ولقبـوه المستعصـم باللـه وهـو سابـع ثلاثينهـم وآخرهـم وكنيتـه أبـو أحمـد بـن المستنصر بالله منصور وكان عبد الله المستعصم ضعيف الرأي فاستبد كبراء دولته بالأمر وحسنوا له قطع الأجناد وجمع المال ومداراة التتر ففعل ذلك وقطع أكثر العساكر‏.‏

  ثم دخلت سنة إحـدى وأربعيـن وستمائـة

فـي هـذه السنـة قصـدت التتـر بلاد غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان السلجوقي صاحب بلاد الـروم فأرسـل واستنجـد بالحلبيين فأرسلوا إليه نجدة مع ناصح الدين الفارسي وجمع العساكر من كل جهة والتقى مع التتر فانهزمت عساكر الروم هزيمة قبيحة وقتل التتر وأسروا منهم خلقاً كثيراً وتحكمت التتر وأسروا منهم خلقاً كثيراً وتحكمت التتر في البلاد واستولوا أيضاً على خلاط وآمد وبلادهما وهرب غياث الدين كيخسرو إلى بعض المعاقل ثم أرسل إلى التترر وطلب الأمان ودخل في طاعتهم ثم توفي غياث الدين كيخسرو المذكور بعد ذلك في سنة أربع وخمسين وستمائة حسبما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وخلف صغيرين وهما ركن الدين وعز الدين ثم هرب عز الدين إلى قسطنطينية وبقي ركن الديـن فـي الملك تحت حكم التتر والحاكم البرواناه معين الدين سليمان والبرواناه لقبه وهو اسم الحاجب بالعجمي ثم إن‏.‏

البرواناه قتل ركن الدين وأقام في الملك ولداً له صغيراً‏.‏

وفيها كانت المراسلة بين الصالح أيوب صاحب مصر والصالح إسماعيل صاحب دمشق في الصلح وأن يطلق الصالح إسماعيل المغيث فتح الدين عمر ابن الملك الصالح أيوب وحسام الدين بـن أبـي علـي الهذبانـي وكانـا معتقليـن عنـد الملـك الصالـح إسماعيـل فأطلـق حسـام الدين بن أبي علي وجهـزه إلـى مصـر واستمر الملك المغيث بن الصالح أيوب في الاعتقال واتفق الصالح إسماعيل مع الناصر داود صاحب الكرك واعتضد بالفرنج وسلما أيضاً إلى الفرنج عسقلاق وطبرية فعمـر الفرنج قلعتيهما وسلما أيضاً إليهم القدس بما فيه من المزارات‏.‏

قال القاضي جمال الدين بن واصل‏:‏ ومررت إذ ذاك بالقدس متوجهاً إلى مصر ورأيت القسوس وقد جعلوا على الصخرة قناني الخمر للقربان‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وستمائة

ذكر المصاف الذي كان بين عسكر مصر وعسكر الشام ومعهم الخوارزمية وبين عسكر دمشق ومعهم الفرنج وصاحب حمص‏:‏ في هذه السنة وصلت الخوارزمية إلى غزة باستدعاء الملك الصالح أيوب لنصرته على عمه الصالح إسماعيل وكان مسيرهم على حارم والروج إلى أطراف بلاد دمشق حتى وصلوا إلى غزة ووصل إليهم عدة كثيرة من العساكر المصرية مع ركن الدين بيبرس مملوك الملك الصالح أيوب وكان من أكبر مماليكه وهو الذي دخل معه الحبس لما حبس في الكرك وأرسل الملك الصالح إسماعيل عسكر دمشق مع الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه صاحب حمص وسار صاحب حمص جريدة ودخل عكا فاستدعـى الفرنـج علـى مـا كـان قـد وقـع عليـه اتفاقهـم ووعدهم بجـزء مـن بلـاد مصـر فخرجـت الفرنـج بالفـارس والراجـل واجتمعـوا أيضـاً بصاحـب حمص وعسكر دمشق والكرك ولم يحضر الناصر داود ذلك والتقى الفريقان بظاهر غزة فولى عسكر دمشق وصاحب حمص إبراهيم والفرنـج منهزميـن وتبعهـم عسكـر مصـر والخوارزميـة فقتلوا منهم خلقاً عظيماً 7 واستولى الملك الصالح أيوب صاحب مصر على غزة والسواحل والقدس ووصلت الأسرى والرؤوس إلى مصر ودقت بها البشائر عدة أيام ثـم أرسـل الملـك الصالـح صاحب مصر باقي عسكر مصر مع معين الدين ابن الشيخ واجتمع إليه من بالشام من عسكـر مصـر والخوارزميـة وساروا إلى دمشق وحاصروها وبها صاحبها الملك الصالح إسماعيل وإبراهيم بن شيركوه صاحب حمص وخرجت هذه السنة وهم محاصروها‏.‏

فـي هـذه السنـة توفـي جد الملك المظفر صاحب حماة تقي الدين محسن ابن الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن أيوب يوم السبت ثامن جمادى الأولـى مـن هـذه السنـة أعنـي سنـة اثنتين وأربعين وستمائة وكانت مدة مملكته لحماة خمس عشرة سنـة وسبعـة أشهـر وعشرة أيام كان منها مريضاً بالفالج سنتين وتسعة أشهر وأياماً وكانت وفاته وهـو مفلـوج بحمـى حـادة عرضـت لـه وكـان عمره ثلاثاً وأربعين سنة لأن مولده سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان شهماً شجاعاً فطناً ذكياً وكان يحب أهل الفضائل والعلوم واستخدم الشيخ علم الدين قيصر المعروف بتعاسيف وكان مهندساً فاضلاً في العلوم الرياضية فبنى للملك المظفر المذكور أبراجاً بحماة وطاحوناً على نهر العاصي وعمـل لـه كـرة مـن الخشـب مدهونـة رسم فيها جميع الكواكب المرصودة وعملت هذه الكرة بحماة‏.‏

قال القاضي جمال الدين بن واصل‏:‏ وساعدت الشيخ علم الدين على عملها وكان الملك المظفر يحضر ونحن نرسمها ويسألنا عن مواضع دقيقة فيها‏.‏

ولما مات الملك المظفر صاحب حماة ملك بعده ولده الملك المنصور محمد ابـن الملـك المظفـر محمـود المذكور وعمره حينئذ عشر سنين وشهر واحد وثلاثة عشر يوماً والقائم بتدبير المملكة سيف الدين طغريل مملوك الملك المظفر ومشاركة الشيخ شرف الدين عبـد العزيـز بـن محمـد المعروف بشيخ الشيوخ والطواشي مرشد والوزير بهاء الدين بن التاج ومرجع الجميع إلى والدة الملك المنصور غازية خاتون بنت الملك الكامل‏.‏

وفيهـا بلـغ الملـك الصالـح نجـم الديـن أيـوب وفـاة ابنـه الملك المغيث فتح الدين عمر في حبس الصالح إسماعيل صاحب دمشق فاشتد حزن الصالح أيوب عليه وحنقه على الصالح إسماعيل‏.‏

وفي هذه السنة توفي الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب ميافارقين واستمر بعده في ملكه ولده الملك الكامل ناصر الدين محمد بن غازي‏.‏

وفيها سير من حماة الشيخ تاج الدين أحمد بن محمد بن نصر الله المعروف بيته ببني المغيرك رسولاً إلى الخليفة ببغداد وصحبته تقدمة من السلطان الملك المنصور صاحب حماة‏.‏

وفيهـا توفـي القاضـي شهـاب الديـن إبراهيـم بـن عبـد اللـه بـن عبـد المنعـم بـن علي بن محمد الشافعي عـرف بابـن أبـي الـدم قاضـي حمـاة وكـان قـد توجـه في الرسلية إلى بغداد فمرض في المعرة وعاد إلى حماة مريضاً فتوفي بها وهو الذي ألف التاريخ الكبير المظفري وغيره‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وستمائة

فيها سير الصالح إسماعيل وزيره أمين الدولة الذي كان سامرياً وأسلم إلى العراق مستشفعاً بالخليفة ليصلح بينه وبين ابن أخيه فلم يجب الخليفة إلى ذلك وكان أمين الدولة غالباً على الملك الصالح إسماعيل المذكور بحيث لا يخرج عن رأيه‏.‏

وفيها تسلم عسكر الملك الصالح أيوب ومقدمهم معين الدين ابن الشيخ دمشـق مـن الصالـح إسماعيل ابن الملك العادل وكان محصوراً معه بدمشـق إبراهيـم ابـن شيركـوه صاحـب حمـص فتسلـم دمشـق علـى أن يستقـر بيـد الصالـح إسماعيل بعلبك وبصرى والسواد ويستقر بيد صاحب حمص حمص وما هو مضاف إليها‏.‏

فأجابهما معين الدين ابن الشيخ إلى ذلك ووصل إلـى دمشق حسام الدين بن أبي علي بمن كان معه من العسكر المصري واتفق بعد تسليم دمشق أن معيـن الدين ابن الشيخ مرض وتوفي بها وبقي حسام الدين بن أبي علي نائباً بدمشق للملك الصالح أيوب‏.‏

ثم إن الخوارزمية خرجوا عن طاعة الملك الصالح أيوب فإنهم كانوا يعتقدون أنهم إذا كسروا الصالح إسماعيل وفتحوا دمشق يحصل لهم من البلاد والإقطاعات ما يرضي خاطرهم فلما لم يحصل لهم ذلك خرجوا عن طاعة الملك الصالح أيوب وصاروا مع الملـك الصالـح إسماعيـل وانضم إليهم الناصر داود صاحب الكرك وساروا إلى دمشق وحصروها وغلت بها الأقوات وقاسى أهلها شدة عظيمة لم يسمع بمثلها وقام حسام الدين بن أبي علي الهذباني في حفظ دمشق أتم قيام وخرجت السنة والأمر على ذلك‏.‏

وفي هذه السنة قصدت التتر بغداد وخرجت عساكر بغداد للقائهم ولم يكن للتتر بهم طاقة فولى التتر منهزمين على أعقابهم تحت الليل‏.‏

وفي هذه السنة توفيت ربيعة خاتون بنت أيوب أخت السلطان صلاح الدين بدمشق بدار العقيقي وكانت قد جاوزت ثمانين سنة وبنت مدرسة الحنابلة بجبل الصالحية‏.‏

وفيهما توفي الشيخ تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن الصلاح الفقيه المحدث‏.‏

وفيها توفي علم الدين علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي شرح قصيدة الشاطبي في القراءآت وشرح المفصل للزمخشري وسمى شرحه المفضل في شرح المفصل وله مجمـوع سمـاه كتاب سفر السعادة وسفير الإفادة ذكر فيها مسائل مشكلة في النحو وعدة من أبيات المعاني ولغة غريبة‏.‏

وفـي هـذه السنـة لمـا تسلم دمشق الملك الصالح أيوب تسلمت نواب الملك المنصور صاحب حماة سلمية وانتزعوها من صاحب حمص واستقرت سلمية في هذه السنة في ملك الملك المنصور صاحب حماة‏.‏

وفيهـا توفـي الشيـخ موفـق الدين أبو البقاء يعيش بن محمد بن علي الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ النحوي ويعرف بابن الصائغ وكان ظريفاً حسن المحاضرة شرح المفصل شرحاً مستوفـى ليـس فـي الشـروح مثله وله غير ذلك وولد في رمضان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة بحلب وتوفي بها في التاريخ المذكور ودفن بالمقام‏.‏